سبق في المجلس الخامس أن تلاوة القرآن على نوعين : تلاوة لفظه وهي قراءته ، وتقدم الكلام بها
النوع الثاني : تلاوة حكمه بتصديق أخباره واتباع أحكامه ، فعلا للمأمورات وترك للمنهيات .
وهذا النوع هو الغاية الكبرى من إنزال القرآن كما قال تعالى "تَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)" ولهذا درج السلف الصالح رضي الله عنهم على ذلك يتعلمون القرآن ويصدقون به ويطبقون أحكامه تطبيقا إيجابياً من عقيدة راسخة ويقين صادق .
هذا النوع الثاني من التلاوة هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة قال تعالى " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (131)"
فبين الله تعالى في هذه الآيات الكريمة ثواب المتبعين لهداه الذي أوحاه إلى رسله ، وأعظمه هذا القرآن العظيم وبين عقاب المعرضين عنه ، أما ثواب المتبعين له فلا يضلون ولا يشقون ونفى الضلال والشقاء عنهم يتضمن كمال الهداية والسعادة في الدنيا والآخرة وأما عقاب المعرضين عنه المتكبرين عن العمل به فهو الشقاء والضلال في الدنيا والآخرة ، فإن له معيشة ضنكا فهو في دنياه هم وقلق نفس ليس له عقيدة صحيحة ولا عمل صالح .